افتقاد منصة صيرفة للشفافية المرجوّة

منصة صيرفة

على الرغم من ثبات سعر الصرف منذ استلام حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري مهامه على ما يقارب أو يعادل الـ 90 ألف ليرة للدولار الواحد، لا يزال سعر صرف الدولار في السوق السوداء وتقلباته يشكّل هاجسًا يؤرق اللبنانيين في ظل الانهيار الملحوظ الذي شهدته الليرة اللبنانية خلال السنوات الأربع الماضية.

تزامن الاستقرار الحالي في سعر صرف الدولار وتأكيد نائب حاكم مصرف لبنان سليم شاهين، التوجه للتخلي عن منصة “صيرفة” على اعتبار أنها “فاقدة للشفافية والحوكمة”. فما هي هذه المنصة التي أثارت جدلًا بين اللبنانيين، وكيف كانت تدار عملياتها؟

أطلقت منصة صيرفة في أيّار 2021، للحدّ من ارتفاع الدّولار وتقلّباته، إلا أن الهدف المعلن، والمتمثّل بحصر التداول بالدولار على منصة رسمية واحدة لإعادة تنظيم السوق، لم يتحقّق. حيث تحوّلت صيرفة في بعض الأحيان إلى مضارب.

كان سعر الصرف عند إطلاق المنصّة 12,000 ليرة لبنانية للدّولار الواحد، مقابل 14,000 ليرة في السّوق الموازية. ولكن مع ارتفاع الدّولار في السّوق الموازية، أخذ سعر الصرف عبر المنصة يرتفع. رفع هذا التحول من حجم التداول تدريجيًا على منصة صيرفة منذ العام 2021 ولغاية شهر تموز 2023، ليبلغ إجمالي التداول خلال هذه الفترة 21,784 مليار دولار، بحسب الدولية للمعلومات.

صيرفة أفسحت المجال، بحسب المعهد اللبناني لدراسات السوق، أمام قلة معروفة “معماة” الأسماء بتحقيق ملايين الدولارات على حساب ما تبقى من عملات أجنبية في النظام. واستمر المركزي منذ إنشاء صيرفة حتى نيسان 2021 ببيع الدولار بخسارة فادحة لمحظيين من أفراد وتجار يحققون أرباحا طائلة من خلال المراجحة بين سعر المنصة وسعر السوق الذي يفوقها بأشواط.

في نيسان 2021، حرّر مصرف لبنان سعر الصرف وسمح عبر التعميم 161 لموظفي القطاع العام بتحويل رواتبهم إلى الدولار على سعر منصة صيرفة، في خطوة رأى فيها الخبير في المخاطر المصرفية محمد فحيلي، “خدمة للطبقة السياسية”، لناحية إرضاء موظفي القطاع العام الذين يعتبرون جزءًا من منظومة المحسوبيات والتوظيفات السياسية التي تديرها السلطة الحاكمة في البلاد، لكسب الولاء.

اعتبر البنك الدولي في مراقبته الاقتصادية لربيع 2023 أنّ منصة “صيرفة” نموذج للسياسات الضعيفة وغير المجدية، حيث تحولت خلال مسيرتها إلى آلية لتحقيق الأرباح من فارق الأسعار، مرجّحًا أن يكون المتداولون قد حققوا عبرها أرباحًا وصلت إلى 2.5 مليار دولار من خلال فرق التسعير.

مسيرة المنصة التي طبعت بالفشل الدائم، كما وصفها الصحافي الاقتصادي منير يونس، مع تحوّلها إلى “أكبر مُضارب على الليرة”، انتهت مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة واستلام نوّابه إدارة المركزي. فقد توجّه هؤلاء للتخلّي عن صيرفة واعتماد منصة شركة “بلومبيرغ” الأميركية للتداول والأسواق المالية، وفق قرار حكومي أكّد عقبه حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، أنّ “المصرف سيضع قيودًا على الوصول للمنصة، بما يضمن أنّ الدولارات المتداولة في النظام تأتي من مصادر مشروعة”.

وفي وقت نقلت شبكة “الجزيرة” عن مصدر رسمي في المصرف المركزي رؤيته أن “بلومبيرغ ستؤدي دورًا ضمن الإصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي، وعبرها سيصبح للبنان سوق خاصة على منصة عالمية وبشفافية مطلقة”. لفت الخبير الاقتصادي عماد عكوش، في حديث لموقع سبوتنيك، إلى أنّ عمل منصة “بلومبيرغ” الجديدة لن يختلف عن منصة “صيرفة”، موضحًا أن فاعليتها يجب أن تستند على بعض الأدوات، التي من الصعب توفيرها في الوقت الراهن.

الأزمة المصرفية والسيادية غير المسبوقة التي شهدها الاقتصاد اللبناني، أدّت بحسب البنك الدولي إلى خسارة الليرة 98% من قيمتها منذ اندلاع الأزمة، في حين خسر البنك المركزي ثلثي احتياطياته من العملة الأجنبية. لقد انخفض، وبحسب الدولية للمعلومات، احتياطي مصرف لبنان من العملات الأجنبيّة من 21,112 مليون دولار في أيار 2021، إلى 14,395 مليون دولار في تموز 2023، أي بمقدار 6,717 مليون دولار.

و يكشف هذا الأمر، وفق الدولية للمعلومات، أن مصرف لبنان تدخّل شاريًا للدّولار من السّوق السّوداء بمقدار لا يقلّ عن 17 مليار دولار، وقد أدّى تدخّله إلى ارتفاع سعر صرف الدّولار ما خالف المبدأ الأساسي للصّيرفة، ألا وهو العمل على خفض سعر صرف الدولار.

يذكر أن “الدولية للمعلومات” أسّسها رجل الأعمال اللبناني جواد عدره، وهي إحدى الشركات الرائدة في مجال البحث والاستشارات في المنطقة. وتُصدر “الدولية للمعلومات” منذ العام 2003 مجلة “الشهرية”، التي أراد جواد عدرا من خلالها أن يجعل التقارير والمعلومات المرتبطة بالفساد في لبنان متاحة للجميع، انطلاقًا من تأييده الحق في الوصول للمعلومات، ومناهضته للفساد.

جواد عدره

جواد عدره

جواد عدره هو كاتب لبناني، رجل إعمال، وإصلاحي. ولد في بلدة كفريا شمال البلاد في 30 نيسان من العام 1954.

آخر الأخبار و المناسبات